القاضي د. مروان المحاقري… عندما تُستهدف النزاهة لأنها تُربك خطاب التشويه

خاص

في خضم الضجيج الرقمي الذي تصنعه بعض الصفحات بين حين وآخر، برزت خلال الأيام الماضية حملة منشورات تستهدف رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي دكتور مروان المحاقري، على خلفية تعيين نجله القاضي علي مروان في محكمة غرب الأمانة.
قد تبدو هذه المنشورات – في ظاهرها – طرحًا لرأي أو تعبيرًا عن تحفظات، غير أن مضمونها وخطابها يكشفان أن القضية أعمق من مجرد اختلاف طبيعي حول قرار إداري، وأن ما يجري هو محاولة واضحة لصناعة صورة زائفة لرجل قضائي مشهود له بالنزاهة والكفاءة.

أولاً: حين تُساق الاتهامات بمعزل عن الحقائق

من يعرف واقع القضاء في اليمن يدرك أن التعيين القضائي لا يتم بقرارات ارتجالية، ولا يخضع للأهواء الفردية.
فالقاضي علي مروان درس في المعهد العالي للقضاء ضمن الدفعة 23 دراسات تخصصية، وهي دفعة تخرّجت قبل تولّي القاضي مروان المحاقري منصبه الحالي. والأهم أن هذه الدفعة مرّت بواحدة من أقسى الظروف التعليمية خلال سنوات الحرب والحصار، ما يمنحها خصوصية في مستوى الجهد والاجتهاد والتحديات التي واجهتها.

هذه حقيقة لا ينكرها أحد من زملائه في المعهد ولا من أساتذته، ولا من العاملين بالشأن العدلي عمومًا.
وبالتالي، فإن القول إن التعيين جاء بالمحاباة صادمٌ في بساطته، ومفتقرٌ لكل عناصر القراءة المهنية.

ثانياً: حملات لا تخطئ العين دوافعها

اللافت في المنشورات المتداولة أنها لم تناقش مسار التعيين أو سياقه المؤسسي، بل قفزت مباشرة إلى اتهامات جاهزة من قبيل الفساد والمحسوبية والعنصرية.
هذه القفزة ليست بريئة، ولا تعكس حرصًا على نزاهة القضاء بقدر ما تعكس رغبة في تسييس موضوع مهني بحت، وتحويله إلى مادة للتشويه.

وليس جديدًا أن تُستخدم مثل هذه الأساليب في محاولة ضرب الثقة المجتمعية بالمؤسسات، لكن الجديد هو شفافية الشارع القضائي نفسه، وتعامله الواعي مع هذه المحاولات.

ثالثاً: حين يتحدث الميدان… تسقط الشائعة

ثلاث شهادات من شخصيات قانونية واجتماعية، جاءت متناسقة دون تنسيق بينهم، لتقدم صورة واقعية عن الرجل:

إبراهيم الجنداري، الذي يعرف القاضي المحاقري منذ أكثر من عشرين عامًا، وصفه بأنه من أنزه الرجال، وأنه لا يعرف المجاملة في الحق حتى مع أقرب الناس إليه.

سمير المروني روى مشهدًا إنسانيًا نادرًا:
محاقري مرهق من السهر، غارق في الملفات، يعمل بين الناس، يرفض النوم ما دامت على مكتبه قضية لم تُقرأ.
يقول له: “كيف أنام ووراء كل ملف مظلوم قد ينتظر العدالة؟”
وهي شهادة تُظهر جوهر الرجل أكثر مما تُظهره أي بيانات.

محمد العزي العزاني قدّم قراءة قانونية صريحة، موضحًا أن التعيين تم وفق المسار الأكاديمي والمؤسسي السليم، وأن من يحاولون التشويه يفعلون ذلك بدوافع شخصية، وليس بدافع حماية القضاء.

هذه الشهادات لم يكتبها موظفون تحت سلطة، ولا جاءت في سياق مجاملة؛ بل كُتبت من رجال قانون يعرفون قيمة الكلمة، ويعون أثرها.

رابعاً: القضاء… آخر ما يجب أن يُستهدف

استهداف القاضي مروان المحاقري لا يمكن فصله عن سياق أوسع يتعرض له القضاء اليمني كمنظومة.
فحين يُضرب رمز، أو يُساء لقاضٍ عرفه الناس بنزاهته واجتهاده، فإن الرسالة لا تتعلق بالشخص بقدر ما تتعلق بزعزعة الثقة العامة.

لكن ما حدث كان عكس ما أراد أصحاب الحملة:
فقد تكشّف مقدار الوعي المجتمعي والحقوقي، وظهر جليًا أن المؤسسة القضائية قادرة على حماية سمعتها بنفسها، عبر مواقف رجالها، لا عبر ردود رسمية.

خاتمة: النزاهة لا تحتاج صراخًا… يكفيها سجلّ أصحابها

في زمن تتضخم فيه الشائعات، يبقى معيار الحقيقة ثابتًا: السيرة العملية.
وسيرة القاضي مروان المحاقري – في الميدان، في النيابات، في ملفات الناس، في مواقفه التي يرويها زملاؤه – كافية لتفنيد كل حملات التشويه، دون حاجة إلى خطب أو دفاعيات.

إن اليمن بحاجة إلى قضاة يعملون بصمت واجتهاد…
لا إلى صانعي ضجيج يختبرون صبر الناس كلما صدر قرار مهني لا يناسب هواهم.

ولذلك، فإن إنصاف القاضي د. المحاقري هو في الحقيقة إنصاف للقضاء نفسه، ولمنظومة العدالة التي لا بد أن نحرص عليها جميعًا، مهما اختلفت آراؤنا.

مقالات ذات صلة

إغلاق